2024/05/02 7:50 صباحًا
الصفحة الرئيسية / مقالات / ديل بيرو الذي خلد التاريخ اسمه بحروف من نور

ديل بيرو الذي خلد التاريخ اسمه بحروف من نور

14322270_10153722078231227_8171936280942784050_n

كتب: فضل عرابي

لكم أساطيركم ولي أسطورتي، فلا تحجروا علي حقي في أن إعطيها حقها حتى بعد إعتزالها في زمن نجوم الإعلان والإعلام.

تنتابني حيرة كبيرة في هذه اللحظات وأنا أكتب مقدمة هذا المقال، فأنا الان لا أعرف من أين يجب أن تكون البداية، أو عن ماذا أكتب، وماذا أترك.

لطالما كنت معجبًا منذ طفولتي بأليساندرو دل بييرو، وعاشقًا له، نجوميته الخارقة للعادة، والتي تفوق الوصف، فلا كلمات تستطيع وصفها لو كتبنا منها المجلدات، سحره الكروي الذي وقف له دييجو أرمندو مارادونا، وتحدث عنه كل أساطير الكرة، من بلاتيني لزيدان ومن بادجيو إلى بوفون، مرورًا بتوتي وميسي ورونالدو الظاهرة والبرتغالي، ومن ليبي لتراباتوني، مرورًا بمالديني وغوارديولا، كليسمان وأليكس فريغسون، والقائمة طويلة ولا مجال لذكر كل من فيها.

وكذلك كنت دائمًا معجبًا بأخلاقه الفاخرة، وبكل شئ. كثيراً ما أبهرتني قوة شخصيته، الثقة بالنفس..الابتسامة من على مقاعد البدلاء، حينما تصبح كل الكاميرات “زووم”. دومًا ما أُعجبت بطريقة إدارته للمباريات داخل أرض الملعب، وخارجه، وفي حياته الشخصية أيضاً! .

وبينما كنت أقلب صفحات الكتب وجدت النص التالي: “هناك علاقات وطيدة بين أمران. الرجل والزوجَة. الأب وحفيده الأول. الأم وبناتها. الصَديقان. الأخوة، ……إلى أخره”، فقررت أن أزيد عليها ما يلي: دل بييرو وعشاقه واحدة منهم. بالإمكان القول أن ذلك الرجل لم يحظى بهذا الحب لكونه دل بييرو بل لأنه أسطورة.

ويقول قائلًا: “أن تكون لاعبًا ممتازًا في الدوري الايطالي فهذا جميل، وإما أن تثبت نفسك كأسطورة فهذا الأجمل. وأن يكون هذا الأمر داخل عملاق الأندية الايطالية، وأحد عمالقة الكرة العالمية، وأعني يوفنتوس فهذا إعجاز“.

وليس الحديث اليوم عن “تاريخ” من أجل أن نتفق عليه أو نختلف، فلكل رجل نظرة، رؤيا وميزة، فيختلف كل شخص عن الآخر..وتبقى الآراء كمباراة يكثر متابعينها من أصحاب التأييد والرفض، وفي نهاية المباراة “النقاش”، نحيي بعضنا على ما تبادلنا من أفكار.

أمس كان هو الثاني عشر من شهر أيلول\سبتمر، وفيه خاض ديل بيرو أول مبارة له بقميص يوفنتوس، حينما نزل بديلًا لفابريتسيو رافانيلي في لقاء فوجيا يوفنتوس.

من طفلًا يحلم بقيادة الشاحنات، إلى كرة مطاطية تُركل في الحارات. اختلفت الظروف فرفضت أمه الحنونة أفكار تجوال العالم بشاحنة خطرة للغاية. فاقترح شقيقه ستيفانو لعبة مسلية يقال عنها كرة قدم! والده كان صامتاً لا ينطق لكنه فجأة فجر ما في قلبه وقال: “أليساندرو ابني الصغير فاز بكأس مدرسة فينولي المحلية وعلقت صوره على أنه عبقري كبير“!.

توزع المراهقون على الرحلات الترفيهية المختلفة، وتنافسوا على قصات الشعر التشويقية، بينما كان أليساندرو بالفعل قد حط الرحال في مقر تدريبات بادوفا التمهيدية. تعجب العامل “إدوارد” من طاقته فحينما سأله عن أحلامه أجابه أليساندرو: “أريد أن أمثل عائلتي وبلادي”. كان بونابيرتي يرصده من خلف الشاشة، يوم عن آخر كان بونابيرتي يبتعد شيئاً فشيئاً عن الشاشة ليقترب أكثر من دل بييرو.

وسوف تتدّخل الأقدار في مسيرة دل بييرو عندما عاينه نجم من نجوم يوفنتوس السابقين، انه فرانكو كاوزيو الذي طالب بالتعجيل بانتدابه من نادي بادوفا.

كان أليساندرو قد قال خرافته مع بادوفا، وحينما وصل بونابيرتي لم يتجادلا في مادة ،وحطَ الإثنان الرحال في تورينو، لتبدأ آنذاك قصة كروية ستمتد أسطرها إلى جانب كبير من تاريخ يوفنتوس، ونشر في الجازيتا ديللو سبورت، “يوفنتوس يجلب مراهق من أجل أن يروي عطش السيدة العجوز بعد السنوات العشر“.

ورغم صعوبة التحدّي بوجود ثلاثي هجومي مخيف مكون من روبرتو بادجيو ، وجانلوكا فيالي، وفابريتسيو رافانيلي، نجح الصغير دل بييرو في أول موسم في تسجيل ثمانية أهداف ساهم بها في استرجاع اليوفي لقب الدوري الذي غاب عن الفريق لمدة تسع سنوات.

كان يوفنتوس خارج النص. في الوقت الذي وضع أليساندرو قدميه على الساحة، دون أولى حروفه في ريجينا ولم تمضِ بضعة أيام حتى ارتدى الرقم 10 ليصوب هاتريك تأريخي في بارما في العشرين من مارس 1994. في تلك الليلة خرج تراباتوني فقال :”هنيئاً لنا ببادجيو ودل بييرو”. فجأة أهدر بادجيو في أمريكا ركلة الجزاء وصار أليساندرو وحده تحت الأضواء.

صار أليساندرو يلعب خمسين مباراة متتالية في موسم واحد، ومعها بدأت الألقاب الأوروبية تمطر في سماء يوفنتوس، من دوري الأبطال، للسوبر الأوروبي، وصولًا لإنتركونتنتال في طوكيو، حينما توجته الأقدار بالفوز بإحدى أحلامه القديمة الساخرة، لقب قاري مع هدية سيارة فاخرة!

كان البعض يظن أنها مجرد انطلاقة ساحرة، مشوقَة، مبهرة، لكنها ستهدأ قريبًا. لكنها على أرض الواقع لم تكن سوى جرس إنذار للعبة لا يتقنها سوى من يعرفها. ومعها سطر أليساندرو ألقاب الدوري المحلي، وهداف دوري أبطال أوروبا، و”كعبه” الأسطوري ما زال عالقاً في الأذهان حينما وضعه في بروسيا دورتمند عن النهائي الذي فاز فيه الأخير. سيذكر التاريخ عبارته الشهيرة حينما قال بكبرياء:”لقد خسرنا لأنه لا يمكننا الفوز دائماً“.

غير أن أليساندرو الخاسر سطع أكثر من ذي قبل في الموسم الموالي. فسجل 32 هدفًا وقاد فريقه لنهائي ثالث على التوالي في واحدة من خرافات القارة الأوروبية. فاز أليساندرو بهداف البطولة وخسر ذات الشخص النهائي والكرة الذهبية معها. ومعها قال:”كرة القدم هي كرتي الذهبية“.

رجل عبقري حقاً. تواصلت المواسم وبدأ يتبع المتفرجون ميثاق الغرور والحسرة فانطلقت شرارة المنشطات فقيل فيه “ممثل”، وبعض المرَات حكوا عنه “مستفيد من المناصب!”. رُكل بعين الأفعى السامة وغادر المستديرة قرابة تسعة أشهر كاملة. في تلك الأثناء كان يوفنتوس فعلاً قد خضع لعناية مركزة في الإنعاش المحلي عن المركز السادس في حضور أساطير تختلف أسماءها ومعانيها. عاد نصف أليساندرو فعاد يوفنتوس كله. لم يدَعوه بشأنه مرة أخرى وألبسوه تهم منوعة تثير الشفقة.

وأكملت الأقدار الطريق وفازت فرنسا بكأس أوروبا 2000 ليبدأ التلفزيون وجبة ساخرة وحملة ضارية على أليساندرو. الأخير كان قويًا بالرغم من خسارته الرقم 10 والمقعد الأساسي وصار منذ ذلك التاريخ الرجل الإحتياطي في ايطاليا.

لم يبالِ أليساندرو بتلك الأوراق الهازئة فكان يضعها أسفل قدمه، فكلما ازدات الأوراق كان هو يرتفع من خلالها للأعلى.

وصل قمة المجد بعدما احتكر أرقام يوفنتوس فصولاً وجذوراً. وفي الدقيقة 87 أمام المكسيك رضخت ايطاليا لقوانين الأساطير واستدعت دل بييرو الذي سطر رأسيته الشهيرة فنقلت على إثرها تراباتوني إلى الدور التالي.!

انتهت أزمات وكان دل بييرو في تلك الأوقات يحطم ما كان قد حطمه من صفحات.

ما لبث أليساندرو أن يتنفس الصعداء حتى أتاه كابيللو، لتصبح ايطاليا ويوفنتوس كلها تهش في سائق الشاحنة.

قال أليساندرو كلمته الشهيرة: “دل بييرو لم ينتهِ بعد”، فدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية بتسجيله 37 هدف احتياطياً كرقم قياسي خالد.

مرة أخرى اضطر كابيللو لاحترام قوانين الأساطير واستدعى دل بييرو في الدقيقة 85 ليسحق الأخير شباك انترناسونالي من ركلة حرة عابرة لطموح الأجيال.

انتهت كل الأفكار ولم يعد هنالك سوى ضربة قاضية، كانت في الدرجة الثانية. الكل غادر فعلاً بيد أنه قال: “الفارس النبيل لا يترك سيدته أبداً“.

بذلك وصل دل بييرو لقمة الأضواء وصار اسمه شهيرًا بعدما طمسه الإعلام كثيرًا.

بل ودحرجت تلك الأعمال دل بييرو للفوز بلقبي هداف الدرجة الثانية والأولى على التوالي ليقف في المواسم الموالي جماهير أولترافورد وسانتياغو برنابيو والإمارات وايطاليا كلها من أجله.

شاءت الأقدار، والتي هي كتابنا المعلوم في الحياة، أن يعود دل بييرو لصباه مرَة أخرى.

فمن بادوفا انتقل بدون أن يتجادل الأطراف في ورقة مالية. ووقع أخر عقد له مع يوقنتوس على بياض ليستنكر ذاته وتاريخه الهائل.

وبينما صدمت إدارة يوفنتوس عشاق اللاعب حينما أصبح أقل لاعب يتداول راتب في فريقه عن مليون يورو بعدما كان أربعة ملايين، كان أليساندرو لا ينظر لتلك الأشياء، فمن يعشق الطموح منذ الطفولة لن يحب المال أبدًا حتى الشيخوخة.

كرة القدم ودعت أليساندرو، ولكن حقًا كل العالم يعلم أن العجوز دل بييرو بشعره الأبيض وصلعته الأولية، ما زال قادرًا على تقديم ما لا يقدر عليه أولئك المراهقين الذين وعلى ما يبدو أنهم بسبب الرغبة سلكوا طريق الجولات الترفيهية، بدلًا من محاولة تكرار خرافة بادوفا الشهيرة التي خلدت في الذاكرة أعجوبة دل بييرو الأسطورية.

وأقول لكم قرائي الأعزاء عذرًا على الإطالة، لكني واثق من أنكم ستعيشون متعة ما بعدها متعة في قراءة هذه السطور والكلمات، وليعذرني من رأى في كلماتي مبالغة ولو أن جلها حقائق.

دمتم لي فخراً وداعمين، ودام لنا سحر ديل بيرو الذي رغم اعتزاله لازلت أهدافه وكراته ولمساته في مخيلتنا وذاكرتنا، وستبقى للأبد، حقًا انه الملك، ويبقى ديل بيرو اللاعب الوحيد الذي صفقت له كل جماهير الخصوم في كل ملعب لعب فيه.

شاهد أيضا

معلول يسعى للتحليق بـ”نسور قرطاج” في سماء روسيا

AFP قوبلت عودة نبيل معلول إلى الإدارة الفنية للمنتخب التونسي، بانتقادات دفعها خصوصاً فشله في ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *